فصل: قال الفراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفراء:

سورة المدثر صلى الله عليه وسلم:
{يا أيُّها الْمُدّثِّرُ}
قوله تبارك وتعالى: {يا أيُّها الْمُدّثِّرُ..}..
يعنى: المتدثر بثيابه لينام.
{قُمْ فأنذِرْ}
وقوله عز وجل: {قُمْ فأنذِرْ..}..
يريد: قم فصلّ، ومرْ بالصلاة.
{وثِيابك فطهِّرْ}
وقوله تبارك وتعالى: {وثِيابك فطهِّرْ..}..
يقول: لا تكن غادرا فتدنس ثيابك، فإن الغادر دنِس الثياب، ويقال: وثيابك فطهر، وعملك فأصلح. وقال بعضهم: وثيابك فطهر: قصر، فإن تقصير الثياب طُهْرة.
{والرُّجْز فاهْجُرْ}
فقوله عز وجل: {والرُّجْز فاهْجُرْ..}..
كسره عاصم والأعمش والحسن، ورفعه السلمى ومجاهد وأهل المدينة فقرءوا: {والرجزُ فاهجر} وفسر مجاهد: {والرجز}: الأوثان، وفسره الكلبى: {الرجز}: العذاب، ونرى أنهما لغتان، وأن المعنى فيهما واحد.
{ولا تمْنُن تسْتكْثِرُ}
وقوله عز وجل: {ولا تمْنُن تسْتكْثِرُ..}..
يقول: لا تُعط في الدنيا شيئا لتصيب أكثر منه، وهى في قراءة عبد الله: {ولا تمْنُن أنْ تسْتكْثِر} فهذا شاهد على الرفع في {تستكثر} ولو جزمه على هذا المعنى كان صوابا، والرفع وجه القراءة والعمل.
{فإِذا نُقِر فِي النّاقُورِ}
وقوله عز وجل: {فإِذا نُقِر فِي النّاقُورِ..}..
يقال: إنها أول النفختين.
{ذرْنِي ومنْ خلقْتُ وحِيدا}
وقوله عز وجل: {ذرْنِي ومنْ خلقْتُ وحِيدا..}..
الوحيد فيه وجهان، قال بعضهم: ذرنى ومن خلقته وحدى، وقال آخرون: خلقته وحده لا مال له ولا بنين، وهو أجمع الوجهين.
{وجعلْتُ لهُ مالا مّمْدُودا}
وقوله تبارك وتعالى: {وجعلْتُ لهُ مالا مّمْدُودا..}..
قال الكلبى: العُروض والذهب والفضة، حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال: حدثنا الفراء قال: وحدثني قيس عن إبراهيم بن المهاجر عن مجاهد في قوله: {وجعلْتُ لهُ مالا مّمْدُودا}، قال: ألف دينار، ونرى أن الممدود جُعل للعدد؛ لأن الألف غايةُ العدد، يرجع في أول العدد من الألف. ومثله قول العرب: لك على ألف أقدع، أي: غاية العدد.
{وبنِين شُهودا}
وقوله: {وبنِين شُهودا..}..
كان له عشرة بنين لا يغيبون عن عينيه في تجارة ولا عمل، والوحيد: الوليد بن المغيرة المخزومى.
{إِنّهُ فكّر وقدّر}
وقوله: {إِنّهُ فكّر وقدّر..}..
فذكروا أنه جمع رؤساء أهل مكة فقال: إن الموسم قددنا، وقد فشا أمر هذا الرجل في الناس، ما أنتم قائلون فيه للناس؟ قالوا: نقول: مجنون. قال: إذا يؤتى فيكلّم، فيُرى عاقلا صحيحا، فيكذبوكم، قالوا: نقول: شاعر. قال: فهم عرب قد رووا الأشعار وعرفوها، وكلام محمد لا يُشْبِهُ الشِّعر، قالوا: نقول: كاهن، قال: فقد عرفوا الكهنة، وسألوهم، وهم لا يقولون: يكون كذا وكذا إن شاء الله، ومحمد لا يقول لكم شيئا إلا قال: إن شاء الله، ثم قام، فقالوا: صبأ الوليد. يريدون أسلم الوليد. فقال ابن أخيه أبو جهل: أنا أكفيكم أمره، فأتاه فقال: إن قريشا تزعم أنك قد صبوت وهم يريدون: أن يجمعوا لك مالا يكفيك مما تريد أن تأكل من فضول أصحاب محمد- صلى الله عليه- فقال: ويحك! والله ما يشبعون، فكيف ألتمس فضولهم مع أنى أكثر قريش مالا؟ ولكنى فكرت في أمر محمد- صلى الله عليه ـ، وماذا نرُد على العرب إذا سألتنا، فقد عزمْت على أن أقول: ساحر. فهذا تفسير قوله: {إِنّهُ فكّر وقدّر} القول في محمد صلى الله عليه.
{فقُتِل كيْف قدّر}
وقوله: {فقُتِل كيْف قدّر..}..
قتل أي: لُعن، وكذلك: {قاتلهم الله} و{قُتِل الإِنْسانُ ما أكْفرهُ}، ذكِر أنهن اللعن.
{ثُمّ نظر ثُمّ عبس وبسر}
وقوله: {ثُمّ نظر... ثُمّ عبس وبسر..}..
ذكروا: أنه مرّ على طائفة من المسلمين في المسجد الحرام، فقالوا: هل لك إلى الإسلام يا أبا المغيرة؟ فقال: ما صاحبكم إِلاّ ساحر، وما قوله إِلاّ السحر تعلّمه من مسيلمة الكذاب، ومن سحرة بابل، ثم قال: ولّى عنهم مستكبرا قد عبس وجهه وبسر: كلح مستكبرا عن الإيمان.
{فقال إِنْ هذآ إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثرُ}
فذلك قوله: {إِنْ هذآ إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثرُ..}. يأثره عن أهل بابل.
{سأُصْلِيهِ سقر}
قال الله جل وعز: {سأُصْلِيهِ سقر..}..
وهى اسم من أسماء جهنم، فلذلك لم يُجْز، وكذلك {لظى}.
{لواحةٌ لِّلْبشرِ}
وقوله: {لواحةٌ لِّلْبشرِ..}..
مردود على سقر بنية التكرير، كما قال: {ذُو الْعرْشِ الْمجِيدُ فعّالٌ لِما يُرِيدُ} وكما قال في قراءة عبد الله: {وهذا بعْلِى شيْخا} ولو كان {لواحة للبشر} كان صوابا.
كما قال: {إِنّها لإِحْدى الْكُبرِ نذِيرا لِّلْبشرِ}. وفى قراءة أبى: {نذِيرٌ لِلْبشر}
وكل صواب. وقوله: {لواحةٌ لِلْبشرِ..}..
تسوِّد البشرة بإحراقها.
{عليْها تِسْعة عشر وما جعلْنآ أصْحاب النّارِ إِلاّ ملائِكة وما جعلْنا عِدّتهُمْ إِلاّ فِتْنة لِّلّذِين كفرُواْ لِيسْتيْقِن الّذِين أوتُواْ الْكِتاب ويزْداد الّذِين آمنُواْ إِيمانا ولا يرْتاب الّذِين أوتُواْ الْكِتاب والْمُؤْمِنُون ولِيقول الّذِين فِي قُلوبِهِم مّرضٌ والْكافِرُون ماذآ أراد اللّهُ بِهاذا مثلا كذلِك يُضِلُّ اللّهُ من يشاءُ ويهْدِي من يشاءُ وما يعْلمُ جُنُود ربِّك إِلاّ هو وما هِي إِلاّ ذِكْرى لِلْبشرِ}
وقوله: {عليْها تِسْعة عشر..}..
فإن العرب تنصب ما بين أحد عشر إلى تسعة عشر في الخفض والرفع، ومنهم من يخفف العين في تسعة عشر، فيجزم العين في الذُّكران، ولا يخففها فى: ثلاث عشرة إلى تسع عشرة؛ لأنهم إنما خفضوا في المذكر لكثرة الحركات. فأما المؤنث، فإن الشين من عشْرة ساكنة، فلم يخففوا العين منها فيلتقى ساكنان. وكذلك: اثنا عشر في الذكران لا يخفف العين؛ لأن الألف من: اثنا عشر ساكنة فلا يسكن بعدها آخر فيلتقى ساكنان، وقد قال بعض كفار أهل مكة وهو أبو جهل: وما تسعة عشر؟ الرجل منا يطبق الواحد فيكفه عن الناس. وقال رجل من بنى جمح كان يُكنى: أبا الأشدين: أنا أكفيكم سبعة عشر، واكفونى اثنين؛ فأنزل الله: {وما جعلْنآ أصْحاب النّارِ إِلاّ ملائِكة..}.، أي: فمن يطبق الملائكة؟ ثم قال: {وما جعلْنا عِدّتهُمْ} في القلة {إِلاّ فِتْنة..}. على الذين كفروا ليقولوا ما قالوا، ثم قال: {لِيسْتيْقِن الّذِين أوتُواْ الْكِتاب..}. يقينا إلى يقينهم؛ لأنّ عدة الخزنة لجهنم في كتابهم: تسعة عشر، {ويزْداد الّذِين آمنُواْ إِيمانا..}. لأنها في كتاب أهل الكتاب كذلك.
{واللّيْلِ إِذْ أدْبر}
وقوله: {واللّيْلِ إِذْ أدْبر..}..
قرأها ابن عباس: {والليل إذا دبر} ومجاهد وبعض أهل المدينة كذلك وقرأها كثير من الناس {واللّيْل إذْ أدْبر}:
حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال: حدثنا الفراء قال: حدثني بذلك محمد بن الفضل عن عطاء عن أبى عبدالرحمن عن زيد أنه قرأها {والليل إذْ أدْبر} وهى في قراءة عبد الله: {والليل إذا أدبر}. وقرأها الحسن كذلك: {إذا أدبر} كقول عبد الله.
حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال: وحدثني قيس عن على بن الأقمر عن رجل- لا أعلمه إلاّ الأغر- عن ابن عباس أنه قرأ: {والليل إذا دبر}.
وقال: إنما أدبر ظهر البعير حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال: وحدثنا قيس عن على بن الأقمر عن أبى عطية عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ {أدبر} قال الفراء: ما أرى أبا عطية إلاّ الوادعى بل هو هو، وقال الفراء: ليس في حديث قيس إذ، ولا أراهما إلا لغتين. يقال: دبر النساء والشتاء والصيف أدبر. وكذلك: قبل وأقبل، فإذا قالوا: أقبل الراكب وأدبر لم يقولوه إلا بألف، وإنهما في المعنى عندى لواحد، لا أبعد أن يأتى في الرجل ما أتى في الأزمنة.
{إِنّها لإِحْدى الْكُبرِ}
وقوله: {إِنّها لإِحْدى الْكُبرِ..}..
الهاء كناية عن جهنم.
{نذِيرا لِّلْبشرِ}
وقوله: {نذِيرا لِّلْبشرِ..}..
كان بعض النحويين يقول: إن نصبت قوله: {نذيرا} من أول السورة يا محمد قم نذيرا للبشر، وليس ذلك بشيء والله أعلم؛ لأنّ الكلام قد حدث بينهما شيء منه كثير، ورفعه في قراءة أبىّ ينفى هذا المعنى. ونصبه من قوله: {إِنّها لإحدى الكُبر نذيرا} تقطعه من المعرفة؛ لأن {إحدى الكبر} معرفةٌ فقطعته منه، ويكون نصبه على أن تجعل النذير إنذارا من قوله: {لا تُبْقِى ولا تذرُ} لواحة تخبر بهذا عن جهنم إنذارا للبشر، والنذير قد يكون بمعنى: الإنذار. قال الله تبارك وتعالى: {كيْف نذِير} و{فكيْف كان نكِير} يريد: إنذارى، وانكارى.
{إِلاّ أصْحاب الْيمِينِ فِي جنّاتٍ يتساءلون عنِ الْمُجْرِمِين ما سلككُمْ فِي سقر}
وقوله: {إِلاّ أصْحاب الْيمِينِ..}..
قال الكلبى: هم أهل الجنة حدثنا أبو العباس قال حدثنا الفراء قال: وحدثني الفضيل بن عياض عن منصور بن المعتمر عن المنهال رفعه إلى على قال: {إِلاّ أصْحاب الْيمِينِ} قال: هم الولْدانُ، وهو شبيه بالصواب؛ لأن الولدان لم يكتسبوا ما يرتهنون به وفى قوله: {يتساءلون... عنِ الْمُجْرِمِين... ما سلككُمْ فِي سقر..}. ما يقوى أنهم الولدان؛ لأنهم لم يعرفوا الذنوب، فسألوا: {ما سلككُمْ فِي سقر}.
{كأنّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتنفِرةٌ}
وقوله: {كأنّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتنْفِرةٌ..}..
قرأها عاصم والأعمش: {مستنفِرة} بالكسر، وقرأها أهل الحجاز {مستنفرة} بفتح الفاء وهما جميعا كثيرتان في كلام العرب، قال الشاعر:
أمْسِكْ حِمارك إِنّهُ مُسْتنفِرٌ ** في إِثرِ أحْمِرةٍ عمْدن لِغُرّبِ

والقسورة يقال: إنها الرماة، وقال الكلبى بإسناده: هو الأسد.
حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال: حدثني أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق أبى سفيانّ الثورى عن عكرمة قال: قيل له: القسورة، الأسد بلسان الحبشة، فقال: القسورة، الرماة، والأسد بلسان الحبشة: عنبسة.
{بلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أن يُؤْتى صُحُفا مُّنشّرة}
وقوله: {بلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أن يُؤْتى صُحُفا مُّنشّرة..}..
قالت كفار قريش للنبى صلى الله عليه: كان الرجل يذنب في بنى إسرائيل، فيصبح ذنبه مكتوبا في رقعة، فما بالنا لا نرى ذلك؟ فقال الله عز وجل: {بلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أن يُؤْتى صُحُفا مُّنشّرة}.
{كلاّ إِنّهُ تذْكِرةٌ}
وقوله: {إِنّهُ تذْكِرةٌ..}..
يعنى هذا القرآن، ولو قيل: {إنها تذكرةٌ} لكان صوابا، كما قال في عبس، فمن قال: (إنها) أراد السورة، ومن قال: (إنه) أراد القرآن. اهـ.